شرح رؤية الفلسفة للأخلاق البيولوجية والطبية


 

شرح رؤية الفلسفة للأخلاق البيولوجية والطبية

ادرك المجتمع الدولى العالمى منذ العقد الرابع من القرن الماضى أنه على وشك أن يدخل عصرا جديدا يحتاج فيه إلى جهود الفلاسفة، لكى يتولوا الإجابة عن الأسئلة الأخلاقية التى ظهرت نتيجة للتطورات العلمية الحديثة فى مجالات متعددة منها علوم الطب والبيولوجيا، ويتجسد ذلك فى رؤية الفلسفة للاخلاق البيولوجية والطبية، ويمكن توضيح هذه الرؤية من خلال التالى

أولا مفهوم الأخلاق التطبيقية والأخلاق البيوتيقية

تعريف الأخلاق التطبيقية

تعرف الأخلاق التطبيقية بأنها مجموعة من القواعد الأخلاقية العملية، التى تسعى لتنظيم الممارسة داخل مختلف ميادين العلم والتكنولوجيا وما يرتبط بها من أنشطة اجتماعية واقتصادية ومهنية، كما تحاول أن تحل المشاكل الأخلاقية التى تطرحها تلك الميادين، اعتمادا على ما يتم التوصل إليه بواسطة التداول والتوافق، وعلى المعالجة الأخلاقية للحالات الخاصة والمعقدة أو المستعصية

الاخلاق البيولوجية والطبية أو الأخلاق البيوطبية أو ما يعرف الآن بالبيوتيقا

هى أحد فروع الأخلاق التطبيقية وقد استخدم لفظ البيوتيقا لأول مرة عام الف وتسعمائة وسبعون من قبل العالم الامريكى فان بوتر المتخصص فى طب السرطان حينما كتب مقالا بعنوان البيوتيقا علم البقاء

وقد ظهرت عدة تعريفات لهذا العلم الجديد فى الأخلاق التطبيقية منها

تعرف الفليسوفة الفرنسية جاكلين روس البيوتيقا فى كتابها الفكر الأخلاقى المعاصر بأنها علم معيارى يهتم بالسلوك الإنسانى الذى يمكن قبوله فى إطار القضايا المتعلقة بالحياة والموت وهو يشتمل على دراسات تجمع بين تخصصات عديدة نهتم جميعا بمجموعة الشروط التى يتطلبها التسيير المسئول للحياة الإنسانية فى ظل التقدم السريع والمعقد للمعارف والتكنولوجيات الحديثة للطب والبيولوجيا

مفهوم البيوتيقا

هى الدراسة الفلسفية للجدل الأخلاقى الذى أوجده التقدم الكبير الذى أجرزته العلوم البيولوجية والطبية وما ترتب عليها من إشكاليات ومسائل أخلاقية لا تتعلق فقط بمجالات علوم الحياة والتكنولوجيات الحديثة فى علم الطب، بل أيضا تتعلق بمجالات عديدة أخرى مثل السياسة والقانون والدين إلى جانب الفلسفة

ومن الواضح أن الأخلاق البيوطبية ليس المقصود بها فقط أخلاقيات الطبيب أو أخلاقيات عالم البيولوجيا، بل المقصود بها أيضا أخلاقيات التطبيقات البيولوجية والطبية ذاتها والنظر فى المشكلات التى ترتبت على هذه التطبيقات، وهى كلها تدور حول حدود التدخل الإنسانى فى مواضيع شديدة الحساسية مثل الانجاب الاصطناعى ونقل الأعضاء والقتل الرحيم

 ثانيا البيوتيقا والفلسفة

هناك ارتباط كبير بين البيوتيقا والفلسفة والذى تتضح معالمه على النحو التالى

البيوتيقا هى اساسا فكر أخلاقى جديد، أى تجديد لمبحث أو فرع أساسى من فروع الفلسفة وهو الأكسيولوجيا حسب التقسيم الكلاسيكى للفلسفة إلى ثلاثة مباحث أساسية هى الأنطولوجيا أو مبحث الوجود والإبستمولوجيا أو مبحث المعرفة والأكسيولوجيا أو مبحث القيم

دور الفلاسفة فى نشأة البيوتيقا وتطورها

وهذا ما يجسده جهود الكثير من الفلاسفة أمثال

دانيال كالاهان هذ الفيلسوف قد أسس مركز هاستيغز الذى اهتم بنشر الفكر البيوتيقى والتعريف به وكان من أهم إنجازاته تاسيس المجلة الناطقة باسم البيوتيقا والمشاركة فى تأليف أو موسوعة بيوتيقية

هانز يوناس ذلك الفيلسوف الألمانى الذى ساهم بأفكاره فى عالمية الفكر البيوتيقى

التأكيد على الطابع الشمولى للبيوتيقا وذلك من خلال ربطها بأخلاقيات البيئة

تطويره أحد المفاهيم الأساسية التى يقوم عليها الفكر البيوتيقى وهو مفهوم المسئولية

تنبيهه إلى خطورة الأبحاث الطبية والبيولوجية بشكل خاص والأبحاث والتجارب العلمية بشكل عام ليس على حاضر الإنسانية فحسب بل وعلى مستقبلها أيضا

الطابع الفلسفى للفكر البيوتيقى

يتجلى الحضور القوى للفلسفة فى الفكر البيوتيقى فى تشكيله اللجان الأخلاقية التى صاحبت نشأته وتطوره فقد كان الفلاسفة من أبرز أعضاء هذه اللجان

يحاول أقطاب الفكر البيوتيقى أن يؤكدوا على الطابع العلمى والعملى والواقعى للفكر البيوتيقى وهذا ذو صلة واضحة بالفلسفة البراجماتية التى كانت وما تزال أبرز التيارات الفلسفية الأمريكية

للفكر البيوتيقى دور فى تجديد تجديد وإغناء مضامين بعض المفاهيم والمصطلحات القديمة، وعلى رأس هذه المفاهيم نجد مفاهيم أخلاقية أساسية مثل مفهوم الحق والواجب والخير وهذا صميم الفلسفة وقيمها

إن ما افرزته التكنولوجيا الحيوية من قضايا متعددة بدءا بأطفال الأنابيب ووصولا إلى وضع الخريطة الجينية للإنسان ومرورا بالأرحام المستأجرة والبنوك الحيوية والموت الرحيم وزرع الأعضاء والتحكم فى الدماغ البشرى والاستنساخ الخ تطرح إشكاليات أخلاقية تثير اليوم الكثير من الجدل الفلسفى والقانونى والدينى

يؤدى الفكر البيوتيقى إلى ترسيخ قيم الديمقراطية والحوار والتسامح والتضامن وحقوق الإنسان خلال القرن الواحد والعشرين وذلك من خلال مناقشة القضايا ذات البعد الفلسفى والقانونى والدينى



Reactions

إرسال تعليق

0 تعليقات